يقع مسجد الرفاعي مقابلا لمسجد السلطان حسن وسمي بهذا الاسم, رغم أن الإمام أحمد الرفاعي (1118 – 1182 م ), صاحب الطريقة الصوفية المعروفة, لم يدفن بالمسجد, بل حتى لم يدفن في مصر, إلا أن التسمية لازمته, نسبة إلى زاوية الرفاعي التي أقيم عليها المسجد وكانت تضم رفات الشيخ على أبي الشباك, وهو من ذرية الأمام الرفاعي.
في عام 1869 م قامت الأميرة خوشيار, والدة الخديوي إسماعيل, بشراء زاوية الرفاعي والأبنية المجاورة لها من أجل إقامة مسجد كبير, يلحق به مدفن لها ولسلالتها وضريحان للشيخ على أبى شباك الرفاعى والشيخ الأنصاري.
وكلفت كبير مهندسي مصر وقتئذ حسين باشا فهمي؛ وهو مهندس من العائلة المالكة درس في فرنسا ؛ بوضع تصميم المسجد علي أن يضارع مسجد السلطان حسن في الضخامة والفخامة ، واستمر العمل حتى ارتفع البناء نحو مترين عن سطح الأرض ثم توقف لإدخال بعض تعديلات على التصميم , ومع وفاة الأميرة خوشيار سنة 1885 توقف العمل طويلا , وقد دفنت خوشيار في ضريح لها بالمسجد، وعندما توفي الخديوي إسماعيل دفن أيضا مع والدته.
وبعد توقف دام 25 عاما, عهد الخديوي عباس حلمي الثاني في عام 1905 إلى هرتس باشا, مهندس لجنة حفظ الآثار العربية وقتئذ, بإكمال البناء المسجد مع الإبقاء على فكرته الأصلية وهي إنشاء بناء يضارع ضخامة جامع السلطان حسن, واستمر العمل إلي أن تم البناء أخر 1911 وافتتح للصلاة في 1912 يوم الجمعة الموافق غرة المحرم 1330 هجريا.
مقابر أسرة محمد علي
بجانب الشيخ على بن أبي الشباك ويحيي الأنصاري , دفن في المسجد العديد من أفراد الأسرة المالكة منهم الأميرة خوشيار , صاحبة فكرة بناء المسجد, وحكام مصر من الأسرة العلوية بدءا من إبراهيم باشا بن محمد على, القائد العسكري الشهير , والخديوي إسماعيل , وعباس الأول , والسلطان حسين كامل الذي حكم مصر من 1914 وحتى وفاته في 1917, والملك فؤاد ( 1868 ـ 1936) ثم أخيرا قبر ابنه الملك فاروق الأول.
الغريب أن قبر فاروق الأول يبدو أقل فخامة من باقي القبور . وقد جاءت وفاته بأحد مطاعم روما في 17 مارس عام 1965 في ظروف مازال يحيط بها الغموض . وكان الرئيس عبدالناصر يرفض دفنه في مصر حتى وافق تحت ضغوط الملك فيصل , وبالفعل حملت الطائرة جثمان فاروق ليلا, ليواري الثري فجرا , لكن ليس في مسجد الرفاعي . وبعد وفاة عبدالناصر عام 1970 وافق الرئيس السادات على نقل رفات فاروق إلي مثواه الأخير في مسجد الرفاعي.
والرفاعي يضم أيضا قبر شاه إيران الأخير , محمد رضا بهلوي . والسبب في جعل قبره بذلك المسجد أنه تزوج يوما من الأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق الأول في فترة الأربعينات .
الطريف في الأمر أن هذه الغرفة كانت تضم رفات والده رضا شاه بهلوي( 1878 – 1944 ) والذي خلعته بريطانيا عن عرش إيران أثناء الحرب العالمية الثانية ونفته إلي جنوب أفريقيا , ولما توفي دفن في مسجد الرفاعي , وبعدما حدث الطلاق بين الشاه محمد والأميرة فوزية في نهاية الأربعينات أمر بنقل رفات والده إلي العاصمة الإيرانية طهران.
وفي عام 1979 قامت ثورة الخميني وأطاحت بعرش محمد رضا بهلوي, ولم يجد الشاة من يستقبله إلا الرئيس السادات, وعندما توفي 27 يوليو عام 1980 بعد صراع مع مرض السرطان عاد إلي نفس الغرفة التي كان يرقد فيها والده من قبل في مسجد الرفاعي. وقد وضعت على القبر الشاه تركيبة رخامية بديعة مرسوم عليها الشعار الساساني للدولة البهلوية.
وقد انضمت حديثا إلى مسجد الرفاعى لتدفن بين أفراد أسرتها الأميرة فريال فاروق ، والتي توفيت يوم الأحد الموافق 29 نوفمبر من العام الماضي 2009 في سويسرا بعد رحلة معاناة مع الفقر ومرض السرطان.
تصميم المسجد
بني مسجد الرفاعي على طراز العمارة المملوكية, والتي بدأت في النصف الثاني من القرن الثالث عشر واستمرت مع التعديلات إلي بداية القرن التاسع عشر, والذي يزور الرفاعي يعتقد أنه ينتمي إلي عصر المماليك حيث جاء شبيها لمسجد السلطان حسن، المقابل له, في العمارة الفخمة وضخامة البناء والارتفاع.
ويبلغ طول الرفاعي 98 متر وعرضه 76 متر, بمساحة إجمالية 7056 متر مربع, والمنطقة الوحيدة المفتوحة توجد في الجهة الشرقية وتشغل نحو 630 متر مربع, لتبلغ مساحة الجزء المغطي نحو 6426 متر مربع, خصص الجزء الأوسط منها تقريبا للصلاة بمساحة 1767 متر, وخصصت باقي المساحة للمداخل والمدافن وملحقاتها.
ويتراوح ارتفاع المبني من 26.5 متر في الجهة الشرقية إلي 33 متر في الجهة الغربية, وهذا الاختلاف يأتي نتيجة الموقع المنحدر.
والرفاعي يملك ثلاثة مداخل شاهقة, تكتنفها أعمدة حجرية ورخامية تعلوها تيجان عربية, بينما حليت الأعتاب بالرخام. والقسم المخصص للصلاة في الرفاعي عبارة عن مربع تعلوه قبة رائعة محمولة على أربعة عقود ضخمة, بأركان كل منها أربعة أعمدة رخامية تيجانها منقوشة ومذهبة, وتتدلى من السقف ثريات نحاسية, وغطي سطح المسجد بأسقف خشبية محلاة بنقوش مذهبة جميلة.
يقع محراب المسجد وسط الجدار الشرقي، وهو مكسو بالرخام الملون وتكتنفه أربعة أعمدة رخامية. وبجوار المحراب يوجد المنبر المصنوع من الخشب المطعم بالعاج والأبنوس. ويمكن الدخول إلي قاعة الصلاة من الباب الشرقي أو الباب الغربي.
وقد كسيت حوائط الرفاعي بالرخام المختلف الألوان المحلى بزخارف عربية جميلة, ومع تجوالك في المسجد ستدرك أنه من أغني المساجد الإسلامية في الزخرفة والنقش.
يقع ضريح الشيخ الأنصاري في غرفة مستقلة, بدت عليها معالم الإهمال حاليا, وتخزن فيها الأجهزة الكهربائية القديمة الخاصة بالمسجد, من مكنسة وتليفزيون قديم, وكرسي كبير متهالك. على النقيض جاء مقام الشيخ أبي السباك, الذي تستنشق رائحة البخور فور أن تلج إلي مقامه , وقد جلست بجوار المقام بعض السيدات تتلون آيات من القرآن الكريم , وعلقت في أسقفه مراوح , تدل على أن الزيارة يختص بها هذا المقام دون سائر المقابر التي يحويها المسجد
*******************************
0 مراجعة